/ الفَائِدَةُ : (168) /

03/09/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / تفسيرٌ آخر لبيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : «أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء» / وَمِمَّا تَقَدَّمَ يتَّضح : وجهاً وتفسيراً آخرا لبيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ المُتقدِّم : « أَنا النقطة الَّتي هي تحت الباء » (1) ، وبيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « أَنَا النقطة أَنا الخطُّ ، أَنا الخطُّ أَنا النقطة ، أَنا النقطة والخطُّ » (2) ، فإِنَّ مراده (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) من عنوان : (الخطِّ) عِدَّة وجوه ، منها : الوجه الأَوَّل : الصِّراط والخطّ المُستقيم الفارد والحصري الموصل إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « يا عَلِيّ ، أَنتَ ... ركن الدِّين ، وأَنْتَ مصباح الدجىٰ ، وأَنْتَ منار الهدىٰ ... مَنْ تبعك نجا ، وَمَنْ تخلَّفَ عنك هَلَك ، وأَنت الطريق الواضح ، وأَنْتَ الصراط المُستقيم ... »(3). ثانياً : بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، مخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « يا عَلِيّ ، أنت حُجَّة اللَّـه ، وأَنْتَ باب اللَّـه ، وأَنْتَ الطَّريق إلى اللَّـه ، وأَنْتَ النبأ العظيم ، وأَنْتَ الصراط المستقيم ... »(4) (5) ثالثاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... وأَنَا الصراط المُستقيم ، وأَنَا النبأ العظيم الَّذي هم فيه مختلفون ، وَلَا أَحَد اختلف إِلَّا في ولايتي ... »(6). ودلالة الجميع واضحة. ثُمَّ إِنَّ الصِّراط تارة يكون صراط رحمة ونعمة ، مُوصِل إِلى رضا الرَّحمٰن ، ويُورِث سالكه الجنان ونعم الورد المورود ؛ وذلك إِنْ سلك المخلوق صراط الحقّ والنُّور والجمال والكمال ، صراط أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ فتكون نهاية لقائه في الجنان مع الله (عزَّ وجهه) ومع طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ؛ أَسماء وصفات الجمال والكمال الإِلٰهيَّة . وأُخرىٰ يكون صراط غضب ونقمة ، مُوصِل إِلى غضب ونقمة : (العزيز الجبَّار، وطبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ؛ أَسماء وصفات الجلال والغضب والانتقام الإِلٰهيّ) ، ويُورِث سالكه لظىٰ وبئس الورد المورود ؛ وذلك إِنْ سلك المخلوق صراط الِانحراف والضلال والخطيئة ، وخاض في الظُّلمات ، فتكون نهاية لقائه في جهنَّم مع الله (العزيز الجبَّار) وطبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصاعدة ؛ أَسماء وصفات الجلال والنِّقمة والغضب والإِنتقام الإِلٰهيّ . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله تقدَّس ذكره : [فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ](7). و (وجه الله) هم : أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ كما ورد ذلك في جمٍّ غفير من بيانات الوحي المتواترة ، منها : بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « ... ونحن وجه الله ... »(8). ثانياً : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن المُفضَّل بن عمر ، قال : « ... فقلتُ له : يا بن رسول الله ، فَعَلِيّ بن أَبي طالب عَلَيْهِ السَّلاَمُ يدخل مُحبَّه الجنَّة ومبغضه النَّار أَو رضوان ومالك؟ فقال: ... يا مُفضَّل ... فَعَلِيّ بن أَبي طالب عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذاً قسيم الجنَّة والنَّار عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، ورضوان ومالك صادران عن أَمره بأَمر الله تبارك وتعالىٰ ، يا مُفضَّل، خُذ هذا ؛ فإِنَّه من مخزون العلم ومكنونه ، لا تخرجه إِلَّا إِلى أَهله »(9). ودلالته ـ كدلالة سابقيه ـ واضحة. الوجه الثَّاني : عدم تناهي صفاته (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وأَسمائِه وشؤونه وأَحواله أَزلاً وأَبداً، فليست لها بداية ولا نهاية ، كحال خطّ محور الدَّائرة المُحيط بمركزها ونقاط محورها ؛ فليست له بداية ولا نهاية . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... لا تجعلونا أَرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لا تبلغون كُنْه ما فينا ولا نهايته ؛ فإِنَّ الله (عَزَّ وَجَلَّ) قد أَعطانا أَكبر وأَعظم مِمَّا يصفه واصفكم ، أَو يخطر على قلب أَحدكم ، فإِذا عَرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون ... لا تسمُّونا أَرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ؛ فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر ... »(10). 2ـ بيان الإِمام الحسن المجتبىٰ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... أَيُّها النَّاس ، إِنِّي لو قمتُ حولاً فحولاً أَذكر الَّذي أَعطانا الله (عَزَّ وَجَلَّ) ؛ وخصَّنا به من الفضل في كتابه وعلى لسان نبيِّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لم اُحصه ...»(11). 3ـ بيان الإِمام الكاظم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... لا تعجب ، فما خفي عليكَ من أَمر الإِمام أَعجب وأَكثر ، وما هذا من الإِمام في علمه إِلَّا كطيرٍ أَخَذَ بمنقاره من البحر قطرةٍ من ماءٍ ، أَفَتَرىٰ الَّذي أَخذ بمنقاره نقص من البحر شيئاً ؟ قال : فإِنَّ الإِمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أَكثر من ذلك ، والطير حين أَخَذَ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئاً ...»(12). 4ـ بيان تفسير الإِمام الهادي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... وأَما قوله : وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ](13) فهو كذلك ؛ لو أَنَّ أَشجار الدُّنيا أَقلام والبحر يمدّه سبعة أَبحر وانفجرت الأَرض عيوناً لنفذت قبل أَنْ تنفد كلمات الله ... ونحن كلمات الله الَّتي لا تنفد ولا تُدرك فضائلنا...»(14). ودلالة الجميع واضحة. الوجه الثَّالث : أَنَّ طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّاعدة ـ باعتبار أَنَّها الأَسماء والصِّفات الإِلٰهيَّة، كالذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة من هذه الجهة ـ مُحيطة بجملة عَالَم الإِمكان والوجود ومخلوقاته غير المتناهية وشؤونه وأَحواله من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية له ، وليست لتلك العوالم والمخلوقات حول وقوَّة واستمداد وغنىٰ واستمرار إِلَّا بطبقات حقيقته (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) الصَّاعدة ، وإِلَّا ـ أَي: لولا تلك الطبقات ـ لتفرَّط نظام عَالَم الخلقة ومخلوقاته وانمحىٰ ، كاحاطة الخطّ المحيط بدوائر محيط مركز الدائرة ، وليست لها حول وقوَّة واستمداد وغنىٰ واستمرار إِلَّا به ، وإِلَّا لتفرَّطت تلك الدوائر وكانت اعدام . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان زيارته (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : « ... السَّلام عليك يا أَمير المؤمنين عَلِيّ بن أَبي طالب سيِّد الوصيِّين وحُجَّة ربّ العالمين على الأَوَّلين والآخرين ... والحُجَّة على جميع الورىٰ في الآخرة والأُولىٰ ... والحُجَّة على جميع مَنْ خلق الله ... وعين المُهيمن المنَّان ، ووليّ الملك الدَّيَّان ... السَّلام عليكَ يا ... عَالم الخفيَّات ... وعارف الغيب المكنون ، وحافظ السِّرّ المصون ، والعَالِم بما كان ويكون ... السَّلام عليكَ عماد الجبَّار ... يا مشهوراً في السَّمآوات العُليا ، ومعروفاً في الأَرضين السَّابعة السُّفلىٰ ... وعارف السِّرّ وأَخفىٰ ، السَّلام عليك أَيُّها النَّازل من عليين ، والعَالِم بما في أَسفل السَّافلين ... يا مَنْ حظي بكرامة ربّه فجلَّ عن الصِّفات ، واشتقَّ من نوره فلم تقع عليه الأَدوات ... واجتهد في النصح والطَّاعة فخوَّله جميع العطيَّات ... أَشهد بذلك يا مولاي ... أَنَّكَ ... اجتباكَ الله لقدرته فجعلك عصا عزِّه ... فأَنت عينه الحفيظة الَّتي لا تخفىٰ عليها خافية ... وقلبه الواعي البصير المُحيط بكُلِّ شيءٍ ... بأَبي أَنتَ وأُمِّي يا أَمير المؤمنين ... مُفوِّض أَمري إِليكَ ، مُتوكِّل فيه عليكَ ... فعندها ... يأمن المُتوكِّل عليكَ ... أَشهدُ أَنَّك تراني وتبصرني ، وتعرف كلامي وتجيبني ، وتعرف ما يجنَّه قلبي وضميري ... »(15). 2ـ بيان زيارة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : « ... السَّلام عليكم يا أَهل بيت النُّبوَّة ... ساسة العباد ، وأَركان البلاد ... والحُجَّة على مَنْ في الأَرض والسماء ، والآخرة والأُولىٰ ... »(16). ومراده (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) من : (النقطة) أُمورٌ ، منها : أَوَّلاً : نقطة (باء الِاسْتِعَانَة) ، وهي(17) روحها ومركزها ، ولولاها لَـمَا تشخَّصت ، وهي(18) أَوَّل حرف ورد في القرآن الكريم ، ومعناها : أَنَّ جملة العوالم وسائر المخلوقات ـ مؤمنة كانت أَم لا ـ لا يمكنها إِلَّا أَنْ تستعين بالذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، وتمدّ حولها وقوتها وفقرها الذاتي ليس إِلَّا منه (جلَّ شأنه) . وهذه الصفة الإِلٰهيَّة والاسم والكمال والشأن الإِلٰهي قد انعكس وظهر وتجلَّىٰ في طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وحقائق سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، فكانت طُرّ العوالم وجميع المخلوقات ـ شعرت بذلك أَم لا ـ لا يمكنُها إِلَّا أَنْ تستعين بتلك الطبقات ، وتمدُّ منها حولها وقوَّتها ، وفقرها الذاتي الخارم لجملة شراشرها ولكافَّة جزئيَّات وذرَّات حقائقها .ودلالتهما قد اِتِّضحت . ثانياً : توجُّه ـ تكويناً ـ جملة العوالم وكافَّة المخلوقات غير المتناهية ، ومن دون تفاوت ـ مطيعة كانت تلك المخلوقات أَم عاصية ، شعرت بذلك أَم لا ـ إِلى أَمير المؤمنين وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، كتوجُّه جميع نقاط محور مركز الدَّائرة ـ من دون تفاوت ـ إِلى نقطة مركزها . ثالثاً : أَنَّ طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وطبقات حقائق سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة هي الوسيلة والواسطة الحصريَّة ، والسبب والرباط الأَدنىٰ في قوس الصعود لولوج المخلوق وأَعماله ساحة القدس الإِلٰهيَّة ، والوسيلة أَيضاً والواسطة الحصريَّة والسبب الوحيد لتمتُّعه في قوس النزول بالفيض الإِلٰهي ، فمن دون الاِسْتِعَانَة بطبقات حقائقهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) الصَّاعدة لن يتَمَكَّنَ مخلوقٌ الْبَتَّة ، أَبد الآباد ودهر الدُّهور ، ولن تَتَمَكَّنَ أَعماله في جملة العوالم من الوصول إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة ، وكذا لن يتَمَكَّنَ الْبَتَّة من استمداد حوله وقوَّته وعطائه إِلَّا بعد نشب أَظفاره بطبقات حقائقهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) الصَّاعدة والِاسْتِعَانَة بها ، شعر بذلك المخلوق أَم لا . وهذا ما تشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « ... فقال له أصحاب رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : ما أَسوأ حال هذا واللَّـه . قال رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : أَوَ لَا أُنَبِّئكم بأَسوأ حالاً من هذا ؟ قالوا : بلىٰ يا رسول اللَّـه . قال : رَجُل حضر الجهاد في سبيل اللَّـه ، فقُتِلَ مُقبلاً غير مدبر، والحور العين يطَّلَّعن إِليه ، وخزَّان الجنان يتطلَّعون ورود روحه عليهم ، وأَملاك الأَرض(19) يتطلَّعون نزول حور العين إِليه ، والملائكة وخزَّان الجنان فلا يأتونه . فتقول ملائكة الأَرض حوالي(20) ذلك المقتول : ما بال الحور العين لا ينزلن إِليه ؟ وما بال خزَّان الجنان لا يردون عليه ، فينادون من فوق السماء السَّابعة : يا أَيَّتها الملائكة ، انظروا إِلى آفاق السماء ودوينها ، فينظرون فإذا توحيد هذا العبد وإِيمانه برسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وصلاته وزكاته وصدقته وأَعمال بِرّه كُلّها محبوسات دوين السماء ، قد طبَّقت آفاق السماء كلِّيّاً كالقافلة العظيمة ، قد ملأت ما بين أَقصىٰ المشارق والمغارب ، ومهابّ الشمال والجنوب ، تُنادي أَملاك تلك الأَثقال(21) الحاملون لها ، الواردون بها : ما بالنا لا تفتح لنا أَبواب السَّماء لندخل إِليها بأعمال(22) هذا الشَّهيد . فيأمر اللَّـه بفتح أَبواب السَّماء فتفتح ، ثُمَّ ينادي : يا هؤلاء الملائكة(23) أدخلوها إِنْ قدرتم ، فلا تقلَّهُم(24) أَجنحتهم ولا يقدرون على الارتفاع بتلك الأَعمال ، فيقولون : يا ربّنا ، لا نقدر على الارتفاع بهذه الأَعمال ، فيناديهم منادي ربّنا عَزَّ وَجَلَّ : يا أَيُّها الملائكة ، لستم حُمَّال هذه الأَثقال(25) الصَّاعدين(26) بها ، إِنَّ حملتها الصاعدين بها مطاياها الَّتي ترفعها إِلى دوين العرش ، ثُمَّ تقرّها في درجات الجنان . فيقول الملائكة : يا ربّنا ، ما مطاياها ؟ فيقول اللَّـه تعالىٰ : وما الَّذي حملتم من عنده ؟ فيقولون : توحيده لك ، وإِيمانه بنبيِّكَ . فيقول اللَّـه تعالىٰ : فمطاياها موالاة عَلِيّ أَخي نبيّي ، وموالاة الأَئمَّة الطَّاهرين ، فإِنْ أَتَت فهي الحاملة الرَّافعة الواضعة لها في الجنان . فينظرون فإذا الرَّجُل مع ماله من هذه الأَشياء ليس له موالاة عَلِيّ والطَّيِّبين من آله ومعاداة أعدائهم . فيقول اللَّـه (تبارك وتعالىٰ) للأَملاك الَّذين كانوا حامليها : اعتزلوها والحقوا بمراكزكم من ملكوتي ، ليأتيها مَنْ هو أَحَقّ بحملها ووضعها في موضع استحقاقها . فتلحق تلك الأَملاك بمراكزها المجعولة لها . ثُمَّ ينادي منادي رَبّنا عَزَّ وَجَلَّ : يا أَيَّتها الزبانية ، تناوليها وحطِّيها إِلى سواء الجحيم ؛ لأَنَّ صاحبها لم يجعل لها مطايا من موالاة عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ والطَّيِّبين من آله ، قال : فتُنادي(27) تلك الأَملاك ، ويقلب اللَّـه تلك الأَثقال أَوزاراً وبلايا على باعثها(28) ؛ لِـمَا فارقها عن مطاياها من موالاة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ . ونادت تلك الملائكة إِلى مخالفتهِ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وموالاته لأَعدائه ، فيسلِّطها اللَّـه عَزَّ وَجَلَّ وهي في صورة الأُسود على تلك الأَعمال ، وهي كالغربان والقرقس(29) ، فيخرج من أَفواه تلك الأُسود نيران تحرقها ، وَلَا يبقىٰ(30) له عمل إِلَّا أُحبط (31) ، ويبقىٰ عليه موالاته لأعداء عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وجحده ولايته فيقرّ (32) ذلك في سوآء الجحيم ، فإِذا هو قد حبطت أَعماله ، وعظمت أَوزاره وأثقاله ... »(33). ودلالته واضحة . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينابيع المودَّة ، 2 : 195. تفسير البصائر ، 1/ 24. (2) بحار الأَنوار ، 40 : 165. (3) بحار الأَنوار، 44: 100/ح20. أمالي الصدوق: 184. (4) بحار الأَنوار، 24: 111/ح46. عيون الأخبار: 181. (5) لَا بَأْسَ بِصَرْفِ النَّظَرِ في المقام إِلى القضيَّتين التَّاليتين : القضيَّة الأُولَىٰ: /حقيقة الصِّراط المُستقيم/ إِنَّ (الصِّراط المُستقيم) أَحد أَسماء أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . القضيَّة الثَّانية : إِنَّ ما مذكور في هذا البيان الوحيانيّ الشَّريف من عناوين مرادفات عقليَّة إِلٰهيَّة للوسيلة الإِلٰهيَّة ، واِحتياج المخلوق للوسيلة الإِلٰهيَّة لأَجل إِتمام وإِكمال قابليَّة الاِستفاضة والإِفاضة الإِلٰهيَّة عليه . (6) بحار الأَنوار، 26: 1 ـ 7/ح1. (7) البقرة: 115. (8) بحار الأَنوار، 25: 22ـ 23/ح38. رياض الجنان (مخطوط). (9) بحار الأَنوار، 39: 194 ـ 196/ح5. علل الشرائع: 65. (10) بحار الأَنوار، 26: 1ـ7/ح1. (11) المصدر نفسه، 10: 142. (12) المصدر نفسه، 26: 190ـ 191/ح2. قرب الاسناد: 144. (13) لقمان: 27 . (14) بحار الأَنوار، 10: 386ـ 390/ح1. تحف العقول: 476ـ 481. (15) بحار الأَنوار، 97: 347ـ 352/ح34. المزار الكبير: 97ـ 101. (16) بحار الأَنوار، 102: 148. (17) مرجع ضمير (وهي) : (نقطة باء الاستعانة) . مرجع ضمير (روحها) و (مركزها) : (باء الاستعانة) . (18) مرجع الضمير: (باء الإِستعانة). (19) في المصدر: (وأَملاك السماء وأَملاك الأَرض). (20) في نسخة: (حول). (21) في نسخة: (الأَعمال). وفي نسخة من المصدر: (الأَفعال). (22) في نسخة: (أَعمال). (23) في المصدر: (يا هؤلاء الأَملاك). (24) في المصدر: (فلا تقلها). (25) في نسخة: (الأَعمال). (26) في نسخة (الصاعدون). (27) في نسخة: (فتأتي). (28) في نسخة من المصدر: (على فاعلها). (29) في نسخة: (والقرقش). (30) في نسخة: (فلا يبقىٰ). (31) وفي نسخة: (إِلَّا حبط). (32) في المصدر: (فيقرَّه). (33) بحار الأَنوار، 27: 187 ـ 190/ح46. التفسير المنسوب إِلى الإِمام العسكري عَلَيْهِ السَّلاَمُ : 27 ـ 29